فصل: مطلب في صفة الوحي وحالاته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في صفة الوحي وحالاته:

روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب وتربد له وجهه.
وفي رواية كان إذا نزل عليه الوحي عرفنا ذلك في فيه وغمض عينيه وتربد وجهه (الربدة غبرة مع سواد) وفي رواية فما من مرة يوحى إليّ إلا ظننت أن نفسي تقبض، وروى البخاري ومسلم عن عائشة «أن الحارث بن هشام سأل رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه كيف يأتيك الوحي؟ فقال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرص (أي كالصوت الشديد الصلب الحاصل من الأشياء الصلبة كالجرص) وهذا أشده علي فيفصم عني (أي يفارقني) وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».
قالت عائشة «ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا». (أي يجري عرقه كما يجري الدم من الفاصد).
وأخرج أحمد وعيد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحكم وصححه عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليّه وهو على ناقة وضعت جرانها (أي مقدم عنقها من مذبحها إلى نحرها جمعه جرن) فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه. وكان يوحى إليه ورأسه على فخذ زيد بن ثابت وكان يحس بثقله حتى كأن فخذه كادت ترضّ من شدة ثقل رأس رسول اللّه».
والحالة الثالثة هو أن ينفث في روعه الكلام نفثا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي وجلّ القرآن» من هذه الأنواع الثلاث راجع مطلب الوحي تجد الفرق بين الوحي والإلهام.
الرابعة أن يأتيه الملك في النوم وما يعبه عنه لا يعد قرآنا كما نوهنا به قبلا وذكرنا أن من قال بأن سورة الكوثر نزلت فيه لا عبرة، وأن الصحيح أنها أنزلت عليه يقظة وبما أنه عند نزول الوحي تتغير حالته كما علمت فيظن من لم يعلم منه ذلك أنه يتيقظ من نوم، ولهذا تسمى هذه الحالة برحاء الوحي أي ثقله فيحمل الحديث الذي رواه مسلم بشأن سورة الكوثر على هذه الحالة، وإن ما يراه نوما معتبر لأن رؤيا الأنبياء صادقة ولكن لا يكون قرآنا كالأحاديث القدسية فإنها معتبرة ولكنها ليست بقرآن ولعله رأى الكوثر في نومه أو خطرت له السورة عند تيقظه من النوم فذكرها لمن كان عنده وهو الأشبه ويسمى ما يراه في النوم الوحي النومي.
الخامسة أن يكلمه اللّه يقظة كما كان في ليلة الإسراء راجع قصة المعراج الآتية في أوائل سورة الإسراء آخر هذا الجزء، أو في النوم كما في حديث معاذ «أتاني ربي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى» الحديث، وليس في القرآن شيء من هذا النوع البتة أما الحديث الذي رواه عدي بن ثابت وخرّجه ابن أبي حاتم على فرض صحته فإن ما جاء فيه ليس من ألفاظ القرآن واللّه أعلم، قال تعالى: {إِنّ ناشِئة اللّيْلِ} أي القومة بعد النوم وكل ما حدث وبدأ ليلا فهو ناشئة وكل ساعة في الليل ناشئة لأنها تنشأ عن الأخرى، فإذا قام من نومه ونهض لعبادة ربه فقد أنشأ أي أحدث وأبدى عبادة أخرى جديدة (هي أشدّ) أقوى وأصعب على المصلي من غيرها وتختلف باختلاف المصلين إذ تكون لذيذة على البعض ثقيلة على الغير (وطأ) أي موافقة يتواطأ فيها القلب واللسان لانقطاع رؤية الخلائق فيها وانصراف المصلي بكليته إلى ربه {وأقْومُ قِيلا 6} أثبت قراءة واركن للسّماع لهذه الأصوات، فتكون عبادة الليل أكثر نشاطا للراغب فيها وأتم إخلاصا وأبلغ تأثيرا وأعظم توبة وأبعد عن الرياء وأدخل حلاوة في القلب {إنّ لك} يا حبيبي ويشمل هذا الخطاب من تبعه من أمته لأن مخاطبته مخاطبة لأتباعه أجمع {فِي النّهارِ سبْحا طوِيلا 7} يكفي لإشغالك ففرغ نفسك في الليل لعبادة ربك، وأصل السبح المر السريع في الماء ثم استعير للذهاب مطلقا وفيه قيل:
أباحوا لكم شرق البلاد وغربها ** ففيها لكم يا صاح سبح من السبح

{واذْكُرِ اسْم ربِّك} ليل نهار بالتسبيح والتهليل والصلاة والقراءة دواما {وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا 8} انقطع إلى عبادته وحده (ولم تكرر هذه الجملة في القرآن) وارفض ما سواه طلبا لما عنده المرة بعد المرة لأنه هو {ربُّ الْمشْرِقِ والْمغْرِبِ} وما بينهما من مخلوقات علوية وسفلية، مائية وهوائية، نارية وترابية، روحية ونورية، فهو الإله الذي {لا إِله إِلّا هُو} وحده المستحق للعبودية {فاتّخِذْهُ وكِيلا 9} لك وفوض أمرك إليه وحده لأن التبتل لا يليق إلا إليه وهو كفيل بما وعدك به من النصر ورفع الكلمة، وتعقيب التوكيل يدل على أن مقامه صلى الله عليه وسلم فوق مقام التبتّل لما فيه من رفع الاختبار، وفيه دلالة على غاية الحب أيضا وقيل في المعنى:
هواي له فرض تعطف أو جفا ** ومنهله عذب تكدر أم صفا

وكلت إلى المعشوق أمري كله ** فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا

قال تعالى: {واصْبِرْ على ما يقولون} كفرة قومك من تكذيبك ورميك بما لا يليق {واهْجُرْهُمْ هجْرا جمِيلا 10} لا حقد فيه بأن تجتنبهم وتداويهم بإرشادك ولا تكافئهم على ما يقع منهم.
وهذه أولى الآيتين المدنيتين والأخرى التي تليها كان نزولها قبل الأمر بالقتال ولا معنى لقول من قال إنهما منسوختان بآية السيف لأن بداية الرسالة وطنّت على الرفق واللين والترغيب والوعد لا على الشدة والقسوة وما وقع من التهديد والترهيب والوعيد إنما هو لاستمالتهم والقائل بالنسخ يزعم أنهما مكيتان وليس كذلك وكان نزولهما قبل حادثة بدر وحديث عائشة هو في الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي، فيا حبيبي الأمين اعتزل هؤلاء الكفار {وذرْنِي والْمُكذِّبِين أُولِي النّعْمةِ} هي غضاضة العيش وكثرة المال والولد وهي بالفتح بمعنى التنعّم وبالكسر بمعنى الانعام وبالضم المسرة، أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليّ فان فيّ ما يفرغ بالك ويجلي همك فلا تستعجل عليهم {ومهِّلْهُمْ قلِيلا 11} كي يؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم وإني سأكفيكهم.
انتهت الآيتان المدنيتان، وقد نزلتا في صناديد قريش وقيل في المطعمين الذين تعهدوا بإطعام الجيش عند تأهبهم لغزوة بدر فكان جزاؤهم بالدنيا أن قتلوا فيها أما جزاؤهم في الآخرة فهو ما قال تعالى: {إِنّ لديْنا} لأمثالهم {أنكالا} قيودا ثقالا وسلاسل طوالا ننكّلهم بها {وجحِيما 12} نارا محرقة سوداء لشدة اتقادها نحرقهم بها {وطعاما ذا غُصّةٍ} ينشب بالحلق ولا يساغ كالزّقوم والضريع (وهي لم تكرر في القرآن) {وعذابا ألِيما 13} لا تطيقه أجسامهم نذيقهم إياه في ذلك اليوم العظيم {يوْم ترْجُفُ الْأرْضُ} تضطرب لشدة الهول {والْجِبالُ} تتزلزل منه {وكانتِ الْجِبالُ} {كثيبا} رملّا مجتمعا {مهِيلا 14} رخوا سائلا بحيث إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده بخلاف حالتها اليوم فاعتبروا أيها الناس فان هذه الآية من أعظم الآيات المرهبات.
أخرج الإمام أحمد في الزهد وأبو داود في الشريعة والبيهقي في الشعب وابن عدي في الكامل من طريق حمران بن أعين عن أبي حرب بن الأسود «أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرؤها فصعق».
وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم قرأها نفسه فصعق، وقال خالد بن حسان أمسى عندنا الحسن وهو صائم فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية فقال ارفعه وهكذا ثلاث ليال ولم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق».
وفي هذا عذر واضح للصوفية المخلصين الذين يقع منهم الصعق عن غير اختيار عند سماع بعض الآيات.
ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 147 من الأعراف الآتية وفي الآية 22 من سورة الزمر فراجعهما، قال تعالى يا أيها الناس {إِنّا أرْسلْنا إِليْكُمْ رسُولا شاهِدا عليْكُمْ} بايمان من آمن وكفر من كفر وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغكم أمرنا {كما أرْسلْنا إِلى فِرْعوْن رسُولا 15} شاهدا على قومه القبط وعلى بني إسرائيل وهو موسى عليه الصلاة والسلام وخص بالذكر دون سائر الأنبياء لأن القبط كذبوه وبني إسرائيل آذوه وازدروه كما فعلت قريش بمحمد من الإيذاء والإهانة {فعصى فِرْعوْنُ الرّسُول} ولم يمتثل أمره وقاومه وتحداه بسحرته فأخسأه اللّه ووفق السحرة للإيمان به وآب هو وقومه بالإصرار على الكفر {فأخذْناهُ أخْذا وبِيلا 16} شديدا غليظا لا رحمة فيه بأن أغرقه وقومه، وهذا تخويف لكفار مكة بأنهم إذا لم يذعنوا لنبيهم يوقع بهم عذابا مماثلا بعذابهم في الدنيا وأما في الأخرى فانظر ما هو {فكيْف تتّقُون} العذاب الأكبر الدائم {إِنْ كفرْتُمْ} وبقيتم على كفركم {يوما} مهولا عظيما {يجعل} يصيّر فيه {الولدان} لشدة هوله {شِيبا 17} شيوخا شمطاء أي لو فرض لكان لأن الآخرة لا شيب، فيها وإنما هو مثل ضربه اللّه لشدة الغمّ والكرب والهم، قال المتنبي:
والهم يخترم الجيم نحافة ** ويشيب ناصية الفتي ويهرم

وقال حسان بن ثابت:
إذا واللّه نوميهم بحرب ** يشيب الطفل من قبل المشيب

وذلك أن كل ما يخاف منه يورث الهم والهرم والمشيب أي إن كنتم لا تخافون أن تؤخذوا بالدنيا كأخذ فرعون ألا تخافون هول اليوم الآخر الذي يصيّر الشباب شيبا وكلكم صائر إليه وذلك حين يقول اللّه تعالى لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يقول اللّه عز وجل يا آدم، فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك، فينادى بصوت عال إن اللّه يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النار» (أي أهلها المخلوقين لها ازلا من بين الخلائق الموجودين في المحشر) راجع تفسير الآية 38 من سورة مريم الآتية وذلك بعد الحساب وقبل أن يقول اللّه تعالى: {وامْتازُوا الْيوْم أيُّها الْمُجْرِمُون} الآية 59 من سورة يس الآتية بدليل قوله «قال يا رب وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون» فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى راجع الآية الأولى من سورة الحج، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم قالوا يا رسول اللّه أيّنا ذلك الرجل؟
فقال: «أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعا وتسعين ومنكم واحد، ثم قال: أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وفي رواية كالرخمة (الأثرة بباطن عضد الحمار) في ذراع الحمار، وإني لأرجو أن تكونوا رباع أهل الجنة فكبّرنا ثم قال ثلاث أهل الجنة فكبّرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبّرنا»، وفائدة هذا التدريج من الربع إلى الثلاث إلى الشطر المبالغة في الإكرام وهو أوقع في النفس من الإعطاء دفعة واحدة، وفي تكرير البشارة حملهم على الشكر مرة بعد أخرى، وما قيل إن هذا اليوم عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا جريا على ظاهر الآية المارة حقيقة وان إجراءها على يوم القيامة مجاز بعيد عن السياق فإن ظاهر الآية وحقيقتها هو ما ذكر واللّه أعلم بالواقع يؤيده قوله تعالى: {السّماءُ} هذه التي تشاهدونها الآن مع عظمتها {مُنْفطِرٌ بِهِ} منشقة في ذلك اليوم من شدة الهول فما بالك بغيرها وهل يكون انفطارها إلا في يوم القيامة وهذا وعد حق من اللّه {كان وعْدُهُ مفْعُولا} واقع لا محالة إن اللّه لا يخلف وعده {إِنّ هذِهِ} الآيات المنزلة عليك يا سيد الرسل {تذكرة} عظات وعبرا لقومك {فمنْ شاء} منهم قبل حلوله {اتّخذ إِلى ربِّهِ سبِيلا 19} طريقا للخلاص من هوله بالإيمان والطاعة لما أمر به ونهيت. عنه وإلا فلا مناص عن الهلاك فيه والوقوع في شره، وهذه الآية المدنية الأخيرة قال تعالى: {إِنّ ربّك يعْلمُ أنّك تقُومُ أدْنى مِنْ ثُلُثيِ اللّيْلِ} يعلم أنك تقوم {و نِصْفهُ وثُلُثهُ وطائِفةٌ مِن الّذِين معك} لعلمه أنهم يقومون أيضا مثل قيامه {و اللّه} المطلع عليكم هو {يُقدِّرُ اللّيْل والنّهار} لا يفوته علم ما تفعلونه فيه أنتم وسائر مخلوقاته ولكنه جلّت قدرته {علِم أنْ لنْ تُحْصُوهُ} ولن تستطيعوا ضبط ساعاته ولا يتأتى لكم حسابها على النحو المطلوب منكم بالتعديل والتسوية.
ولما كان في ذلك مشقة عليكم وكلفة {فتاب عليْكُمْ} ورفع التبعة عنكم ورخص لكم ترك قيامه كله وأسقطه عنكم تخفيفا عليكم بعفوه ولطفه وذلك أن الأصحاب كانوا يقومون الليل كله مخافة أن لا يصيبوا القدر الذي أمروا به لأنهم لا يدرون متى الثلث والنصف والثلثان على الضبط فاشتد ذلك عليهم حتى تورمت أقدامهم فأنزل اللّه: {فاقْرؤُا ما تيسّر مِن القرآن} أي جزءا من أجزائه حسب استطاعتكم.
هذا، وما قيل إنه كان بين نزول الآيات أول السورة وهذه الآية سنة وستة عشر شهرا لأن فرض القيام كان قبل فرض الصلاة، يردّه ما يأتي آخر هذه الآية على أن فرضيته قبل فرض الصلاة على فرض صحتها لا تدل على أنه كان بعد تلك المدة وإنما كان قيام الليل بالمقدار الأول الوارد أول السورة فرضا كما ذكر آنفا فخففه اللّه في هذه الآية إلى النقل وكان بمقدار معين فجعله اللّه بشيء يسير منه وبمطلق قراءة آية ما بين المغرب والصبح حسب الاستطاعة.
والصحيح ان قيام الليل بقي ما يقارب عشر سنين فرضا على حضرة الرسول نفلا على من تبعه ممن آمن به من أمته، ثم خففت فرضيته في حقه وبقي سنة في حق أمته بدليل قوله تعالى: {فتهجّدْ بِهِ نافِلة لك} الآية 79 من سورة الإسراء الآتية كما سنبينه في تفسيرها إن شاء اللّه.
وتقدم في مطلب الناسخ والمنسوخ التوجيه بين هذه الآية والآيات التي في صدر هذه السورة فراجعه ومنه تعلم أن لا ناسخ ولا منسوخ هنا خلافا لما قاله بعض المفسرين بل أكثرهم بأن الآيات الأول منسوخة في هذه الآية الأخيرة.
روى مسلم عن سعيد بن هشام قال: «انطلقت إلى عائشة فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول اللّه، قالت الست تقرأ القرآن؟ قلت بلى، قالت فإن خلق رسول اللّه القرآن.
قلت فقيام رسول اللّه يا أم المؤمنين؟
قالت ألست تقرأ المزّمل؟ قلت بلى، قالت فإن اللّه افترض القيام أول هذه السورة فقام رسول اللّه وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك اللّه خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بغير فريضة»
.
وهذا إذا صح يكون التخفيف نزل بمكة أيضا إلا أن السياق ينافيه ولأن الزكاة لم تفرض إذ ذاك كما أن الصلاة لم تفرض أيضا، ولأن هذه السورة نزلت بعد فترة الوحي إلا أن يقال أن تلك المدة المذكورة في الحديث بالنسبة إلى وجود حضرة الرسول بالمدينة وإعلانه وأصحابه أمر القيام ومداومتهم عليه لأنهم كانوا لا يقدرون على إعلان العبادة في مكة، وروى البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه «ألم أخبر أنك تقوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ قلت بلى يا رسول اللّه ولم أرد بذلك إلا الخير، قال: نعم فصم صوم داود كان عليه السلام يصوم يوما ويفطر يوما وكان أعبد الناس في زمانه، واقرأ القرآن في كل شهر مرة، قال: قلت يا رسول اللّه إني أطيق أفضل من ذلك، قال فاقرأ في كل عشر، قال: قلت يا نبي اللّه إني أطيق أفضل من ذلك. قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك».